إلى أين ؟؟؟

🤔


   تأكل ! تشرب ! تلعب ! تلهو ! تتزوج ! تتاجر ! تضحك ! تنام ! تعمل كل ما تمليه عليك شهواتك وكل ما تأمرك به نفسك الآمرة بالسوء !! لكن بعد كل هذا ماذا ستعمل ؟ ماذا تبقي مما تريده نفسك ولم تعمله ؟ هل تبقى شيء ؟ لا . إذا أنت الآن وصلت لمرحلة الملل ، لعبت كل الألعاب ، تناولت كل الأطعمة والأشربة ، جمعت الكثير الكثير من الأموال حتى أنك لا تقدر أن تحصيها ، أنتهى كل شيء لم تعمله ، لا توجد شهوة إلا وقد جريت خلفها ومارستها ، ولا توجد متعة إلا وتمتعت بها ، وصلت للنهاية ، مبارك عليك ذلك ،إذا ماذا استفدت ؟ ماذا كسبت ؟ لا شيء . انت الآن ملل ضجر كرهت الدنيا ، ماذا تريد الآن أن تعمل ؟ هل تريد أن تنتحر ؟ أن ترمي بنفسك من على قمة قصرك الذي أنفقت الكثير من الأموال لبنائه ؟ أظنك بنيته لهذا اليوم لكي ترمي بنفسك من فوقه ، وإلا لماذا كل هذه الطوابق وأنت لا تحتاجها ؟ رميت بنفسك ومت بالأخير وأنت في غفلة معرض ، دخل جسدك القبر وأشبع ذلك القبر من الشحوم التي عملت جاهدا على تجميعها حينما أكلت أنواع اللحوم حلالها وحرامها وحين ارتكبت المحرمات صغيرها وكبيرها لتجميع تلك الأموال التي اشتريت بها تلك اللحوم والشحوم ها هي ذا الآن من نصيب قبرك وها هو ذا قبرك قد شبع دسما وشحما وها هي ذا الدود قد حصلت على وجبة دسمة وجبة لذيذة من هذا الجسد العفن الذي أضعت سني عمرك وأنت تربيه وتعتني به ها هي ذا الدود تنخره وهي تشكرك عند كل قضمه تقضمها من جسدك لأنك قد اهتممت به ! كيف لا وهو اليوم يكون غذائها ووجبتها ، تشكرك لأنك كبرته ودسمته واكثرت فيه من اللحوم !!!
    وها انت ذا اليوم نادم واشد ندم لك هو أنك لم تسأل نفسك وانت حي ذلك السؤال المصيري المهم : إلى أين ؟ لم تسأل إلى أين نحن نسافر ؟ وأين سنستقر ؟ أين سينتهي بنا المطاف ؟ أنت نادم الآن ، تقول ليتني لم أكن موجودا ليتني كنت ترابا أو جمادا أو حتى حيوانا ؛ كل لحظة تمر أنت تكون أكثر ندما وكل ثانية تمر يزداد صياحك وانت تقول : ( يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ) ، تقول : ( يا ليتها كانت القاضية * ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانية ) ، تقول : ( يا ليتني قدمت لحياتي ) . فهل تذكرت ذلك الطعام الحرام الذي كنت تأكله وتحرص على توفيره بكل الطرق هل اليوم يشبعك أم أنك جائع ؟ وتلك الألعاب التي أكلت وقتك وجهدك و أنت تجري خلفها طالب للمتعة هل تمتعك اليوم ؟ وتلك النساء اللواتي أهدرت نفسك وأنت خلفهن طالب للذة وباحثا عنها لديهن هل وجدتها اليوم ؟ وذلك النوم الذي كنت تكثر منه هل كفاك اليوم ؟ وهل لا زلت تريد أن تنام أكثر ؟ وتلك الأموال التي كسبتها بكافة الطرق حلالها وحرامها و أفنيت عمرك وأنت تجمعها وتخزنها هل أغنتك اليوم ؟ بل هل لا زلت تريد المزيد منها ؟ وذك الضحك هل تستطيع اليوم أن تعطي لشفاهك العابسة منه القليل ؟ أم أنك تحس أن مخزونك منه قد انتهى ؟ 
ألا تتمنى أنك لو بقيت قبل موتك جائعا أو اكتفيت بقليل الطعام وتصدقت بالباقي واعطيته للفقراء الذين تأكل وهم ينضرون ، تأكل وهم جائعون ، تتلذذ بأنواع الطعام وهم لا يجدون حتى كسرة خبز ، ألا تتمنا لو أنك أطعمتهم ؟ لأنك علمت اليوم إلى أين سيذهب ذلك الطعام ، وعلمت أنك عندما تكبر كرشك وجسمك ، فأنت تكبر من وجبة الدود التي ستأكل جسدك ، و ستدسم التراب الذي سيخنقك . ألا تتمنى أنك لم تضع دقيقة من عمرك راكضا خلف اللهو والألعاب ؟ لأنك علمت أن المتعة الحقيقية هي في القبر ومن تمتع في قبره فقد حصل على المتعة اللامتناهية ومن لم يتمتع في قره فقد حصل على العذاب اللامتناهي وأنك لا بد أن تعمل ما يجعلك تشعر بالمتعة في القبر وفي الدنيا ، وذلك العمل الذي سيجعل حياتك كلها سعادة ومتعة ليست الألعاب لأنها محدودة المتعة والتأثير ، بل ذلك العمل هو العبادة والأوراد والأذكار التي ترقيك عن المتعة الحيوانية المؤقتة إلى المتعة الروحانية الدائمة ، ألا تتمنى ذلك ؟ ألا تتمنى أنك لم تجمع الأموال من الحرام وعلى حساب الحلال ، تتمنى اليوم الكثير والكثير لكنك عاجز وأمانيك واهية فحكم الله قد مضى ، وكلمت ربك قد حقت وسبقت ، لأنك في دنياك لم تفكر ولم تشغل عقلك ، لم تتسائل وأنت ترى الناس يموتون لم تتعب نفسك بسؤالها إلى أين يذهبون ؟ لم تتعب نفسك بسؤالها إلى أين ذهبت الأمم السابقة ... الخ ، حتى انتهت بك الرحلة وأنت لا تعلم حتى إلى أين هي متوجهة ، وهكذا انتهت رحلتك التي ظاهرها السعادة وباطنها التعاسة . 
   وبقت الآن رحلتنا التي لا نعلم متى ستنتهي ولا يهمنا أن نعلم متى ستنتهي بل ما يهمنا أن نعلمه هو إلى أين تتجه ؟ فنحن لن نسأل أنفسنا عندما ندخل القبر متى سيبدأ مصيرنا ؟ بل سنسأل إلى أين سيكون مصيرنا ؟ عذاب أم نعيم ؟ شقاء أم سعادة ؟ ولكن في مثل ذلك الوقت لن نستفيد من هذه الأسئلة لأن الرحلة ستكون قد انتهت . نحن بحاجة أن نسأل أنفسنا إلى أين الآن ونحن لا نزال نتنفس ؟ لكي نجهز الزاد المناسب ؟ أليس عندما يسافر أ حدنا لبلدة باردة ألا يجهز لنفسه زادا دافئا من لباس وطعام وشراب و عندما يسافر بلد حار يجهز لنفسه زاد بارد ، وفي كلا السفرين يتزود بالمال المناسب والحوائج الضرورية ؟ والإنسان لا يستطيع تجهيز الزاد المناسب والكافي إلى وهو يعلم إلى أين ستكون رحلته وأين سينتهي به المطاف ، أليس كذلك . فما بالكم برجل سافر وهو لا يعلم إلى أين سيسافر ؟ ألا يكون مغفلا ؛ أضاع جهده ووقته في اللاشيء ، هذا إذا لم يمت لقلة زاده ، فقد يدخل صحراء وهو لا يملك الماء فيموت فيها ، أو قد يصل لجزيرة مجهولة فيموت فيه لقلة الغذاء ، وإلى غير ذلك من الإحتمالات الكثيرة . 
   وللأسف حال الكثير اليوم مقلق فهم يسافرون في رحلة الحياة ولكنهم لا يعلمون إلى أين ستقود هذه الرحلة ، حتى يصلوا لنهاية الرحلة ، حينا يبدئون بعض أيديهم وهم نادمون ، فهل تريد أخي الكريم أن تكون منهم . أنت أعلم بنفسك وحر فيها . أما إذا أردت أن لا تكون منهم فجهد نفسك في البحث عن إجابة سؤال : إلى أين ؟ ولن تجد الإجابة حتى تتفكر فيما حولك وتنظر لبدائع صنع ربك وحكمه فيها ، وتنظر للمخلوقات وتسألها إلى أين أنت متجهة وإلى أين أنت مسرعة ؟ وبعد أن تعرف الجواب فجعله يضل في عقلك ، وكن كلما أزاغك الشيطان وأضعت الطريق سل نفسك وقلها يا نفس إلى أين ؟ إلى أين ؟ إلى أين ؟

كتبه / أبو القاسم مصطفى سيف العزاني

تعليقات